الباحث القرآني

﴿وَإذا أذَقْنا النّاسَ رَحْمَةً﴾ صِحَّةً وسَعَةً ﴿مِن بَعْدِ ضَرّاءَ مَسَّتْهُمْ﴾ أيْ: خالَطَتْهم حَتّى أحَسُّوا بِسُوءِ أثَرِها فِيهِمْ، وإسْنادُ المِساسِ إلى الضَّرّاءِ بَعْدَ إسْنادِ الإذاقَةِ إلى ضَمِيرِ الجَلالَةِ مِنَ الآدابِ القرآنيَّةِ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَإذا مَرِضْتُ فَهو يَشْفِينِ﴾ ونَظائِرِهِ، قِيلَ: سَلَّطَ اللَّهُ تَعالى عَلى أهْلِ مَكَّةَ القَحْطَ سَبْعَ سِنِينَ حَتّى كادُوا يَهْلَكُونَ، ثُمَّ رَحِمَهم بِالحَيا فَطَفِقُوا يَطْعَنُونَ في آياتِهِ تَعالى ويُعادُونَ رَسُولَهُ ﷺ ويَكِيدُونَهُ، وذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إذا لَهم مَكْرٌ في آياتِنا﴾ أيْ: بِالطَّعْنِ فِيها وعَدَمِ الِاعْتِدادِ بِها، والِاحْتِيالِ في دَفْعِها، وإذا الأُولى شَرْطِيَّةٌ، والثّانِيَةُ جَوابُها، كَأنَّهُ قِيلَ: فاجَؤُوا وقْعَ المَكْرِ مِنهُمْ، وتَنْكِيرُ (مَكْرٌ) لِلتَّفْخِيمِ وفي مُتَعَلِّقَةٌ بِالِاسْتِقْرارِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ اللّامُ ﴿قُلِ اللَّهُ أسْرَعُ مَكْرًا﴾ أيْ: أعْجَلُ عُقُوبَةً، أيْ: عَذابُهُ أسْرَعُ وُصُولًا إلَيْكم مِمّا يَأْتِي مِنكم في دَفْعِ الحَقِّ، وتَسْمِيَةُ العُقُوبَةِ بِالمَكْرِ لِوُقُوعِها في مُقابَلَةِ مَكْرِهِمْ وُجُودًا أوْ ذِكْرًا ﴿إنَّ رُسُلَنا﴾ الَّذِينَ يَحْفَظُونَ أعْمالَكُمْ، والإضافَةُ لِلتَّشْرِيفِ ﴿يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ﴾ أيْ: مَكْرَكُمْ، أوْ ما تَمْكُرُونَهُ، وهو تَحْقِيقٌ لِلِانْتِقامِ مِنهُمْ، وتَنْبِيهٌ عَلى أنَّ ما دَبَّرُوا في إخْفائِهِ غَيْرُ خافٍ عَلى الحَفَظَةِ، فَضْلًا عَنِ العَلِيمِ الخَبِيرِ، وصِيغَةُ الِاسْتِقْبالِ في الفِعْلَيْنِ لِلدَّلالَةِ عَلى الِاسْتِمْرارِ التَّجَدُّدِي، والجُمْلَةُ تَعْلِيلٌ مِن جِهَتِهِ تَعالى لِأسْرَعِيَّةِ مَكْرِهِ سُبْحانَهُ، غَيْرُ داخِلٍ في الكَلامِ المُلَقَّنِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَدًا﴾ فَإنَّ كِتابَةَ الرُّسُلِ لِما يَمْكُرُونَ مِن مَبادِئِ بُطْلانِ مَكْرِهِمْ، وتَخَلُّفِ أثَرِهِ عَنْهُ بِالكُلِّيَّةِ، وفِيهِ مِنَ المُبالَغَةِ ما لا يُوصَفُ، وتَلْوِينُ الخِطابِ بِصَرْفِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إلَيْهِمْ لِلتَّشْدِيدِ في التَّوْبِيخِ، وقُرِئَ عَلى لَفْظِ الغَيْبَةِ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ تَعْلِيلًا لِما ذُكِرَ، أوْ لِلْأمْرِ.(p-134)
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب