الباحث القرآني

﴿وَما كانَ النّاسُ إلا أُمَّةً واحِدَةً﴾ بَيانٌ لِأنَّ التَّوْحِيدَ والإسْلامَ مِلَّةٌ قَدِيمَةٌ أجْمَعَتْ عَلَيْها النّاسُ قاطِبَةً فِطْرَةً وتَشْرِيعًا، وأنَّ الشِّرْكَ وفُرُوعَهُ جَهالاتٌ ابْتَدَعَها الغُواةُ خِلافًا لِلْجُمْهُورِ، وشَقًّا لِعَصا الجَماعَةِ. وَأمّا حَمْلُ اتِّخاذِهِمْ عَلى الِاتِّفاقِ عَلى الضَّلالِ عِنْدَ الفَتْرَةِ، واخْتِلافِهِمْ عَلى ما كانَ مِنهم مَنِ الِاتِّباعِ والإصْرارِ، فَمِمّا لا احْتِمالَ لَهُ، أيْ: وما كانَ النّاسُ كافَّةً مِن أوَّلِ الأمْرِ إلّا مُتَّفِقِينَ عَلى الحَقِّ والتَّوْحِيدِ مِن غَيْرِ اخْتِلافٍ، وذَلِكَ مِن عَهْدِ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - إلى أنْ قَتَلَ قابِيلُ هابِيلَ، وقِيلَ: إلى زَمَنِ إدْرِيسَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - وقِيلَ: إلى زَمَنِ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ - وقِيلَ: مِن حِينِ الطُّوفانِ حِينَ لَمْ يَذَرِ اللَّهُ مِنَ الكافِرِينَ دَيّارًا إلى أنْ ظَهَرَ فِيما بَيْنَهُمُ الكُفْرُ، وقِيلَ: مِن لَدُنْ إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - إلى أنْ أظْهَرَ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ عِبادَةَ الأصْنامِ، فالمُرادُ بِالنّاسِ العَرَبُ خاصَّةً، وهو الأنْسَبُ بِإيرادِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ إثْرَ حِكايَةِ ما حُكِيَ عَنْهم مِنَ الهَناتِ وتَنْزِيهِ ساحَةِ الكِبْرِياءِ عَنْ ذَلِكَ. ﴿فاخْتَلَفُوا﴾ بِأنْ كَفَرَ بَعْضُهم وثَبَتَ آخَرُونَ عَلى ما هم عَلَيْهِ، فَخالَفَ كُلٌّ مِنَ الفَرِيقَيْنِ الآخَرَ لا أنَّ كُلًّا مِنهُما أحْدَثَ مِلَّةً عَلى حِدَةٍ مِن مَلَلِ الكُفْرِ مُخالِفَةً لِمِلَّةِ الآخَرِ، فَإنَّ الكَلامَ لَيْسَ في ذَلِكَ الِاخْتِلافِ، إذْ كُلٌّ مِنهُما مُبْطِلٌ حِينَئِذٍ فَلا يُتَصَوَّرُ أنْ يُقْضى بَيْنَهُما بِإبْقاءِ المُحِقِّ وإهْلاكِ المُبْطِلِ، والفاءُ التَّعْقِيبِيَّةُ لا تُنافِي امْتِدادَ زَمانِ الِاتِّفاقِ، إذِ المُرادُ بَيانُ وُقُوعِ الِاخْتِلافِ عَقِيبَ انْصِرامِ مُدَّةِ الِاتِّفاقِ لا عَقِيبَ حُدُوثِ الِاتِّفاقِ. ﴿وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَبِّكَ﴾ بِتَأْخِيرِ القَضاءِ بَيْنَهُمْ، أوْ بِتَأْخِيرِ العَذابِ الفاصِلِ بَيْنَهم إلى يَوْمِ القِيامَةِ فَإنَّهُ يَوْمُ الفَصْلِ ﴿لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾ عاجِلًا ﴿فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ بِتَمْيِيزِ الحَقِّ مِنَ الباطِلِ بِإبْقاءِ المُحِقِّ وإهْلاكِ المُبْطِلِ، وصِيغَةُ الِاسْتِقْبال لِحِكايَةِ الحالِ الماضِيَةِ ولِلدَّلالَةِ عَلى الِاسْتِمْرارِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب