الباحث القرآني

﴿ثُمَّ جَعَلْناكم خَلائِفَ في الأرْضِ مِن بَعْدِهِمْ﴾ فَإنَّهُ صَرِيحٌ في أنَّهُ ابْتِداءُ تَعَرُّضٍ لِأُمُورِهِمْ، وأنَّ ما بُيِّنَ فِيهِ إنَّما هو مَبادِئُ أحْوالِهِمْ لِاخْتِبارِ كَيْفِيّاتِ أعْمالِهِمْ عَلى وجْهٍ يُشْعِرُ بِاسْتِمالَتِهِمْ نَحْوَ الإيمانِ والطّاعَةِ، فَمُحالٌ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ إثْرَ بَيانِ مُنْتَهى أمْرِهِمْ، وخِطابِهِمْ بِبَتِّ القَوْلِ بِإهْلاكِهِمْ لِكَمالِ إجْرامِهِمْ، والمَعْنى: ثُمَّ اسْتَخْلَفْناكم في الأرْضِ مِن بَعْدِ إهْلاكِ أُولَئِكَ القُرُونِ الَّتِي تَسْمَعُونَ أخْبارَها وتُشاهِدُونَ آثارَها اسْتِخْلافَ مَن يَخْتَبِرُ ﴿لِنَنْظُرَ﴾ أيْ: لِنُعامِلَ مُعامَلَةَ مَن يَنْظُرُ ﴿كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ فَهي اسْتِعارَةٌ تَمْثِيلِيَّةٌ، وكَيْفَ مَنصُوبٌ عَلى المَصْدَرِيَّةِ بِـ"تَعْمَلُونَ" لا بِـ(نَنْظُرَ) فَإنَّ ما فِيهِ مِن مَعْنى الِاسْتِفْهامِ مانِعٌ مِن تَقَدُّمِ عامِلِهِ عَلَيْهِ، أيْ: أيَّ عَمَلٍ، أوْ عَلى الحالِيَّةِ، أيْ: عَلى أيِّ حالٍ تَعْمَلُونَ الأعْمالَ اللّائِقَةَ بِالِاسْتِخْلافِ مِن أوْصافِ الحُسْنِ،كَقَوْلِهِ عَزَّ وعَلا: ﴿لِيَبْلُوَكم أيُّكم أحْسَنُ عَمَلا﴾ فَفِيهِ إشْعارٌ بِأنَّ المُرادَ بِالذّاتِ والمَقْصُودَ الأصْلِيَّ مِنَ الِاسْتِخْلافِ إنَّما هو ظُهُورُ الكَيْفِيّاتِ الحَسَنَةِ لِلْأعْمالِ الصّالِحَةِ، وأمّا الأعْمالُ السَّيِّئَةُ فَبِمَعْزِلٍ مِن أنْ تَصْدُرَ عَنْهم لا سِيَّما بَعْدَما سَمِعُوا أخْبارَ القُرُونِ المُهْلَكَةِ، وشاهَدُوا آثارَ بَعْضِها فَضْلًا عَنْ أنْ يُنْظَمَ ظُهُورُها في سِلْكِ العِلَّةِ الغائِبَةِ (p-128)لِلِاسْتِخْلافِ، وقِيلَ: مَنصُوبٌ عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ، أيْ: أيَّ عَمَلٍ تَعْمَلُونَ أخَيْرًا أمْ شَرًّا فَنُعامِلَكم بِحَسَبِهِ فَلا يَكُونُ في كَلِمَةِ (كَيْفَ) حِينَئِذٍ دَلالَةٌ عَلى أنَّ المُعْتَبَرَ في الجَزاءِ جِهاتُ الأعْمالِ وكَيْفِيّاتُها لا ذَواتُها، كَما هو رَأْيُ القائِلِ، بَلْ تَكُونُ حِينَئِذٍ مُسْتَعارَةً لِمَعْنى: أيُّ شَيْءٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب