الباحث القرآني
﴿مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾: صِفَةٌ رابِعَةٌ لَهُ (تَعالى)؛ وتَأْخِيرُها عَنِ الصِّفاتِ الأُوَلِ مِمّا لا حاجَةَ إلى بَيانِ وجْهِهِ؛ وقَرَأ أهْلُ الحَرَمَيْنِ المُحْتَرَمَيْنِ: "مَلِكِ"؛ مِنَ المُلْكِ؛ الَّذِي هو عِبارَةٌ عَنِ السُّلْطانِ القاهِرِ؛ والِاسْتِيلاءِ الباهِرِ؛ والغَلَبَةِ التّامَّةِ؛ والقُدْرَةِ عَلى التَّصَرُّفِ الكُلِّيِّ في أُمُورِ العامَّةِ بِالأمْرِ والنَّهْيِ؛ وهو الأنْسَبُ بِمَقامِ الإضافَةِ إلى يَوْمِ الدِّينِ؛ كَما في قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿لِمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ لِلَّهِ الواحِدِ القَهّارِ﴾؛ وقُرِئَ: "مَلْكِ"؛ بِالتَّخْفِيفِ؛ و"مَلَكَ"؛ بِلَفْظِ الماضِي؛ و"مالِكَ"؛ بِالنَّصْبِ عَلى المَدْحِ؛ أوِ الحالِ؛ وبِالرَّفْعِ؛ مُنَوَّنًا ومُضافًا؛ عَلى أنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ؛ و"مَلِكُ"؛ مُضافًا بِالرَّفْعِ والنَّصْبِ؛ و"اليَوْمُ" في العُرْفِ: عِبارَةٌ عَمّا بَيْنَ طُلُوعِ الشَّمْسِ؛ وغُرُوبِها؛ مِنَ الزَّمانِ؛ وفي الشَّرْعِ: عَمّا بَيْنَ طُلُوعِ الفَجْرِ الثّانِي؛ وغُرُوبِ الشَّمْسِ؛ والمُرادُ هَهُنا مُطْلَقُ الوَقْتِ؛ و"الدِّينُ": الجَزاءُ؛ خَيْرًا كانَ أوْ شَرًّا؛ ومِنهُ الثّانِي في المَثَلِ السّائِرِ: "كَما تَدِينُ تُدانُ"؛ والأوَّلُ في بَيْتِ الحَماسَةِ
؎ ولَمْ يَبْقَ سِوى العُدْوا ∗∗∗ نِ دِنّاهم كَما دانُوا
وَأمّا الأوَّلُ في الأوَّلِ؛ والثّانِي في الثّانِي؛ فَلَيْسَ بِجَزاءٍ حَقِيقَةً؛ وإنَّما سُمِّيَ بِهِ مُشاكَلَةً؛ أوْ تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بِاسْمِ مُسَبِّبِهِ؛ كَما سُمِّيَتْ إرادَةُ القِيامِ والقِراءَةِ بِاسْمِهِما في قَوْلِهِ - عَزَّ اسْمُهُ -: ﴿إذا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ﴾؛ وقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿فَإذا قَرَأْتَ القرآن فاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾؛ ولَعَلَّهُ هو السِّرُّ في بِناءِ المُفاعَلَةِ مِنَ الأفْعالِ الَّتِي تَقُومُ أسْبابُها بِمَفْعُولاتِها؛ نَحْوَ: عاقَبْتُ اللِّصَّ؛ ونَظائِرِهِ؛ فَإنَّ قِيامَ السَّرِقَةِ؛ الَّتِي هي سَبَبٌ لِلْعُقُوبَةِ بِاللِّصِّ؛ نُزِّلَ مَنزِلَةَ قِيامِ المُسَبِّبِ بِهِ؛ وهي العُقُوبَةُ؛ فَصارَ كَأنَّها قامَتْ بِالجانِبَيْنِ؛ وصَدَرَتْ عَنْهُما؛ فَبُنِيَتْ صِيغَةُ المُفاعَلَةِ الدّالَّةِ عَلى المُشارَكَةِ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ؛ وإضافَةُ اليَوْمِ إلَيْهِ - لِأدْنى مُلابَسَةٍ - كَإضافَةِ سائِرِ الظُّرُوفِ الزَّمانِيَّةِ إلى ما وقَعَ فِيها مِنَ الحَوادِثِ؛ كَـ "يَوْمُ الأحْزابِ"؛ و"عامُ الفَتْحِ"؛ وتَخْصِيصُهُ مِن بَيْنِ سائِرِ ما يَقَعُ فِيهِ مِنَ القِيامَةِ، والجَمْعِ، والحِسابِ؛ لِكَوْنِهِ أدْخَلَ في التَّرْغِيبِ والتَّرْهِيبِ؛ فَإنَّ ما ذُكِرَ مِنَ القِيامَةِ؛ وغَيْرِها؛ مِن مَبادِئِ الجَزاءِ؛ ومُقَدِّماتِهِ؛ وإضافَةُ "مالِكِ" إلى "اليَوْمِ" مِن إضافَةِ اسْمِ الفاعِلِ إلى الظَّرْفِ - عَلى نَهْجِ الِاتِّساعِ المَبْنِيِّ عَلى إجْرائِهِ مُجْرى المَفْعُولِ بِهِ؛ مَعَ بَقاءِ المَعْنى عَلى حالِهِ؛ كَقَوْلِهِمْ: يا سارِقَ اللَّيْلَةِ أهْلَ الدّارِ -؛ أيْ: مالِكِ أُمُورِ العالَمِينَ كُلِّها في يَوْمِ الدِّينِ؛ وخُلُوُّ إضافَتِهِ عَنْ إفادَةِ التَّعْرِيفِ المُسَوِّغِ لِوُقُوعِهِ صِفَةً لِلْمَعْرِفَةِ؛ إنَّما هو إذا أُرِيدَ بِهِ الحالُ؛ أوْ الِاسْتِقْبالُ؛ وأمّا عِنْدَ إرادَةِ الِاسْتِمْرارِ الثُّبُوتِيِّ - كَما هو اللّائِقُ بِالمَقامِ - فَلا رَيْبَ في كَوْنِها إضافَةً حَقِيقِيَّةً؛ كَإضافَةِ الصِّفَةِ المُشَبَّهَةِ إلى غَيْرِ مَعْمُولِها؛ في قِراءَةِ "مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ"؛ ويَوْمُ الدِّينِ - وإنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَمِرًّا في جَمِيعِ الأزْمِنَةِ؛ إلّا أنَّهُ لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ؛ وبَقائِهِ أبَدًا - أُجْرِيَ مُجْرى المُتَحَقَّقِ المُسْتَمِرِّ؛ ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بِهِ الماضِي بِهَذا الِاعْتِبارِ؛ كَما يَشْهَدُ بِهِ القِراءَةُ عَلى صِيغَةِ الماضِي؛ وما ذُكِرَ مِن إجْراءِ الظَّرْفِ مُجْرى المَفْعُولِ بِهِ إنَّما هو مِن حَيْثُ المَعْنى؛ لا مِن حَيْثُ الإعْرابُ؛ حَتّى يَلْزَمَ كَوْنُ الإضافَةِ لَفْظِيَّةً؛ ألا تَرى أنَّكَ تَقُولُ في "مالِكُ عَبْدِهِ (p-16)أمْسِ"؛ إنَّهُ مُضافٌ إلى المَفْعُولِ بِهِ؛ عَلى مَعْنى أنَّهُ كَذَلِكَ مَعْنًى؛ لا أنَّهُ مَنصُوبٌ مَحَلًّا؟ وتَخْصِيصُهُ بِالإضافَةِ إمّا لِتَعْظِيمِهِ؛ وتَهْوِيلِهِ؛ أوْ لِبَيانِ تَفَرُّدِهِ (تَعالى) بِإجْراءِ الأمْرِ فِيهِ. وانْقِطاعُ العَلائِقِ المَجازِيَّةِ بَيْنَ "المَلاكِ"؛ و"الأمْلاكِ" حِينَئِذٍ بِالكُلِّيَّةِ؛ وإجْراءُ هاتِيكَ الصِّفاتِ الجَلِيلَةِ عَلَيْهِ سُبْحانَهُ؛ تَعْلِيلٌ لِما سَبَقَ مِنَ اخْتِصاصِ الحَمْدِ بِهِ (تَعالى)؛ المُسْتَلْزِمِ لِاخْتِصاصِ اسْتِحْقاقِهِ بِهِ (تَعالى)؛ وتَمْهِيدٌ لِما لَحِقَ مِنَ اقْتِصارِ العِبادَةِ والِاسْتِعانَةِ عَلَيْهِ؛ فَإنَّ كُلَّ واحِدَةٍ مِنها مُفْصِحَةٌ عَنْ وُجُوبِ ثُبُوتِ كُلِّ واحِدٍ مِنها لَهُ (تَعالى)؛ وامْتِناعِ ثُبُوتِها لِما سِواهُ؛ أمّا الأُولى والرّابِعَةُ فَظاهِرٌ؛ لِأنَّهُما مُتَعَرِّضَتانِ صَراحَةً لِكَوْنِهِ (تَعالى) رَبًّا مالِكًا؛ وما سِواهُ مَرْبُوبًا مَمْلُوكًا لَهُ (تَعالى)؛ وأمّا الثّانِيَةُ والثّالِثَةُ فَلِأنَّ اتِّصافَهُ تَعالى بِهِما لَيْسَ إلّا بِالنِّسْبَةِ إلى ما سِواهُ مِنَ العالَمِينَ؛ وذَلِكَ يَسْتَدْعِي أنْ يَكُونَ الكُلُّ مُنْعَمًا عَلَيْهِمْ؛ فَظَهَرَ أنَّ كُلَّ واحِدَةٍ مِن تِلْكَ الصِّفاتِ - كَما دَلَّتْ عَلى وُجُوبِ ثُبُوتِ الأُمُورِ المَذْكُورَةِ لَهُ (تَعالى) - دَلَّتْ عَلى امْتِناعِ ثُبُوتِها لِما عَداهُ عَلى الإطْلاقِ؛ وهو المَعْنِيُّ بِالِاخْتِصاصِ.
{"ayah":"مَـٰلِكِ یَوۡمِ ٱلدِّینِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق